تحية فلسطين لبردى والنيل

أَلا أَسْعِدِي بالشِّعْرِ يا رَبَّةَ الشِّعْرِ
وَصُوغِي عقودَ الفَخْرِ من لامِعِ الدُّرَّ
وَصُبِّي لَنا الأَنغامَ مِنْ هَمْسةَ الدُّجَى
لَحوناً نُزَكِّيها على نَشْوَةِ الخَمْرِ
سَرَتْ مثلَ هَمْسِ الزَّهْرِ في نَسْمَةِ الضُّحَى
فَنَمَّتْ على ما كانَ في الزَّهرِ مِن نَشْرِ
فأَيْنَ حَنينُ النَّاي مِنْ حُلْوِ لَحْنِها
وأينَ عطورُ الوَرْدِ من نَشْرِها العِطْرِي
تَمَلَّتْ بها الأَرواحُ حَتَّى كأَنَّما
هِيَ السِّرُّ فيها أَوْ أمانٍ مِن العُمْرِ
تَزُفُّ لنا بُشْرَى الزمانِ وسعدِه
وتكشِفُ عَمَّا قَدْ حَوَى الدَّهْرُ مِنِ بشَرِ
وغردت الأطيارُ مِن نشوةٍ بها
فَردَّدَت الأغصانُ أنشودَة الطيرِ
فَلِلسَّعْدِ إِقبالٌ؛ ولِلبشرِ مَنْزِلٌ
ولِلَّحْنِ تَرجيعٌ إِلى قلبِنا يَسْرِي
ولِلّنيلِ تَسبيحٌ وحَمْدٌ مُنَزَّهٌ
يُرَدِّدُه في السِّرِّ حِناً وفي الجَهْرِ
وَمِنْ بَرَدَى تَهْفُو إِليْهِ نَسائمٌ
لِتُزْجِي وداداً في العُروقِ غَدا يَجْرِي
تُبارِكهُ مِنْ شَطِّ يافا تَحِيَّةٌ
بِها شَوْقُنا المشْبوبُ للوَطَنِ الحُرِّ
وَلَوْ شِئْتَ تَجميعاً بِسِحْرٍ لَمَا بَدا
ولكنَّه حُبٌّ يَزيدُ على السّحْرِ
هِي الوحدةُ الكُبْرى وهذِي نَواتُها
فأكْرِمْ بها مِن وثبةٍ عَزْمُها يَفْرِي
بِها أَشْرَقَتْ شَمْسُ العرُوبةِ والعُلا
فَأَعظِمْ بِها بَيْنَ البريَّةِ مِنْ فَجْرِ
سَمَتْ في جبينِ الفَخْرِ فانجابَ غَيْهَبٌ
وسوفَ ننالُ الحَقَّ بالعَسْكَرِ المـَجْرِ
عَلى الجيشِ يَبني الماجدونَ فخارَهم
وبالجيشِ يُحمَى الحقُّ من صَوْلَةِ الغَدرِ
أَلا أَبلغ اليومَ البُغاثَ بأنَّه
سيُحْطَمُ في ساحِ الوقيعةِ بالنَّسْرِ
أَرَى الحَقَّ ما شاءَ القَوِيُّ وإِنَّما
يُشَيَّعُ خاوي العزمِ بالنَظَرِ الشَّزْرِ
فما العَزْمُ إِلّا ما يُحَقِّقُهُ الفَتَى
وما السَّيْفُ إِلَا ما يُحَقَّقُ مِن بَتْرِ
فَخَلِّ إلى الهيئاتِ كِذْبَ حديثها
وبالعَزْمِ عَزِّزْ ما تُريدُ مِن الأَمْرِ
عَجِبْتُ لِمَنْ يَرجو الوَفا مِن عَدُوِّهِ
ويرضخُ للذُّلِّ المشينِ وللقَهْرِ
وفي السَّيْفِ ما تَبْغى المعالي وَحَدُّهُ
يُعَزِّزُ ما ترجو العدالةُ مِنْ أَزْرِ
دِمَشْقُ سلاماً والسَّلامُ مُحَبَّبٌ
ولكنَّه بالذُّلِّ بَيْنَ الوَرَى يُغْرِي
غَضِبْتِ فأَبْصَرْنا العُروبَة غَضْبَةً
فَبُورِكْتِ مِنْ مبروكةٍ عَزْمُها يُورِي
ثَبَتِّ فَجَرَّعْتِ الطُّغاةَ مَذَلَّةً
وبالشَّرِّ يُحمَى الخَيْرُ مِنْ وطأةِ الشَّرِّ
وَمِمَّا جَرَى في مَوْطِني لكِ عِبْرَةٌ
وَدَرْسٌ لِقُرَّاءِ الزَّمانِ وللدَّهْرِ
****
بلادي فلسطينُ التي قَدْ عَشِقْتُها
مَحَبَّتُها في كُلِّ قلبٍ غَدَتْ تَسْرِي
أَلا أَيْنَ لي شِعْرٌ يُجارِي عَلاءَها
أَلا أَيْنَ لي فَخْرٌ يَسِيرُ مع الفَخْرِ
وهل أَنا إِلَّا بُلْبُلٌ فَوْقَ أَيْكَةٍ
فَهَلْ لي إِنْ قَصَّرْتُ في الشَّدْوِ مِنْ عُذْرِ
بَلَى، كَيْفَ أَشْدو الدِّيارُ بَعيدةٌ
وفيها جموعُ الإِفكِ والظُّلْمِ والغَدْرِ
بلادي رعاكِ اللهُ أَنْتِ حياتُنا
وليسَ لَنا في غيرِ لُقياكِ مِنْ يُسْرِ
بلادي فِداك النفسُ وهي عَزيزةٌ
وما لِسوَى علياكِ بَيْنَ الوَرَى شِعْرِي
وفي غزةَ الشماءِ شَعْبٌ مكافِحٌ
يُعِدُّ ليومِ الثأْرِ؛ للحقِّ؛ للنَّصْرِ
فلسطينُ؛ في هذا الشبابِ عزيمةٌ
وَوَقْدَةُ نارٍ سوفَ تَعْصِفُ بالكُفْرِ
فَقَرّي فإِنّا سَوْفَ نلقاكِ نُزَّعاً
ونُهدِي لكِ الأرواحُ في موكبِ الطُّهْرِ
أَلا أَيْنَ مِنِّي مَوْطِني كاملَ الذُّرَى
مِن النَّجْدِ للصَّحراءِ للغَوْرِ للبَحْرِ
فلسطينُ إِنْ أَصْبَحْتِ نَهباً مُمَزَّقاً
وأَمْسَيْتِ أَحلاماً تَمُرُّ على الفِكْرِ
فإِنَّ الشبابَ الغُرَّ فيهم عزيمةٌ
وصِدقُ وفاءٍ سوفَ يأخُذُ بالثأْرِ